تاريخ النشر: 28/07/2020, 18:14
الآباء في الكنيسة الارثوذكسية عواميد البيعة ومصابيحها المشعة.
من هؤلاء القديسين المعلمين قديسنا الكبير "دفاق الذهب" يوحنا الدمشقي، قمر من اقمار دمشق الثلاثة.
ولد القديس سنة 675 من أب اسمه سرجون او سرجيوس، غني بالفضيلة والواجهة والعلم، جده كان اسمه منصور، هو الذي تولى الاتفاق مع اسقف دمشق لتسليم المدينة الى الجيش العربي سنة 635 بقيادة خالد بن الوليد في عهد عمر بن الخطاب. ودعي القديس يوحنا بالدمشقي لولادته في دمشق، وسمي "مجرى الذهب" (chrysorrhoas) على اسم نهر بردى الذي يروي غوطة دمشق ويحولها الى واحة، وسمي ايضاً بهذا الاسم لبلاغة لسانه وقوة حججه ولما تحتويه مؤلفاته من كنوز ثمينة روحية. ومن القابه ايضاً "الاب الالهي" و"العلاّمة الممتاز" و"العلاّمة الكنيسة". وقد عرف باسم منصور بن سرجون قبل ان يعرف بيوحنا الدمشقي.
دخل يوحنا معترك الحياة في العشرين من عمره في نهاية حكم عبد الملك (685 705) وخلف أباه في الوظيفة في الادارة المالية للدولة الاموية، فيعتقد انه كان جابياً تجاه المسيحيين وانه كان يجمع من ثم الضرائب المتوجبة على المسيحيين في بلاد دمشق، شبّهه المجمع المسكوني السابع (787) بمتى الرسول اذ كان جابياً للضرائب على غراره، ثم ترك كل شيء ليتبع المسيح. على عهد الخليفة التقي عمر الثاني (717 720) اصبحت الحياة اكثر صعوبة للمسيحيين وقد سببت هذه الاجواء ارتداد مسيحيين عديدين كانوا يرغبون في الحفاظ على وظائفهم.
اما يوحنا فقد اختار ما هو مخالف لذلك، اذ تنكر للكرامات والثروات وفضل ترك المدينة ليسعى في الطريق المؤدية الى دير القديس سابا المتقدس، في فلسطين.
دخل يوحنا الدير وانقطع الى التعمق في اللاهوت على يد يوحنا الرابع البطريرك الاورشليمي (706 734) والى مزاولة اعمال النسك، وسِيمَ كاهناً واعظاً، فكان البطريرك يوحنا الرابع يستدعيه مراراً من ديره الى أورشليم ليعلم ويعظ في كنيسة القيامة وغيرها . تجلت مواهبه في هذه الفترة من حياته، وخاصة عندما قامت بدعة محطمي الايقونات فكان اكبر مناوئيها فلذا كانت عظاته ومؤلفاته بليغة العبارة وقوية الحجة.هكذا ملأ يوحنا الكنيسة بعبير فضائله وعلمه حتى اخذ الشعب في تكريمه حالا بعد موته. ولم يكن المجمع المسكوني السابع (787) سوى صدى لتطويب الشعب له عندما اعلن في جلسته السابعة قداسته. وقد اعلنه لاون الثالث عشر سنة 1890 "معلماً للمسكونة" الى جانب باسيليوس وغريغوريوس اللاهوتي ويوحنا الذهبي الفم، وعمم عيده في الكنيسة اللاتينية اذ جعله في 27 آذار. أما الكنيسة الارثوذكسية الانطاكية، فتعيِّد له في 4 كانون الاول مع القديسة بربارة التي أتى على مدحها، وتعيّد له الكنائس السريانية والارمنية في التاريخ نفسه.
وصف لنا القديس الدمشقي الطريقة التي سار عليها في علم اللاهوت فقال: "سأبين اولاً احسن ما قاله حكماء اليونان، لعلمي ان ما عندهم من قول نافع هو هبة من الله للبشر اذ كل عطية صالحة وكل هبة كاملة انما تهبط من فوق من لدن ابي الانوار… أما ما يناقض الحقيقة فهي بدعة خبيثة من اضاليل ابليس وتلفيق من الروح الشرير، كما يقول غريوريوس اللاهوتي، فسأقتدي اذاً بالنحلة فأجمع كل ما يفيد الحقيقة واجني ثمار الخلاص من الاعداء انفسهم وانبذ ما عندهم من الاباطيل".
ويعود الفضل الى مسحنة فلسفات اليونانية ووضع مبادئها الخصيبة في خدمة الايمان الى القديس يوحنا الدمشقي. اذ اخذ الكثير من العبارات او المفاهيم واضاف اليها الاصلاحات التي ادخلها الوحي في الفلسفة كالفرق بين الطبيعة والجوهر والاقنوم واستعان بها على انشاء تعابير لاهوتية خاصة بعلم اللاهوت المستقل عن المذاهب الفلسفية.
يتحدث ميخائيل الراهب الانطاكي عن منجزات يوحنا الدمشقي الشعرية وقوانينه واناشيده التكريمية للسيد المسيح والعذراء والقديسين ولا تزال الكنيسة حتى اليوم ترتل هذه الاناشيد والتراتيل.
لم ينحصر عمل قديسنا بتأليف الاناشيد الكنسية بل وضع انغاماً كنسية واعتبر المنهل الاول للموسيقى الكنسية وواضعاً الكتابة الموسيقية.
مات قديسنا الكبير سنة 750 في دير القديس سابا المتقدس، في فلسطين، ودفن فيه ثم نقلت رفاته في أواخر القرن الثالث عشر الى القسطنطينية الى كنيسة جميع القديسين ثم نهبت الكنيسة من قبل الصليبيين، وجاء الاتراك فهدموها لانشاء جامع السلطان محمد الثاني.