تاريخ النشر: 03/09/2020, 11:47
ولد في تسالونيكية حوالي العام 1322م. كاباسيلاس اسم عائلة أمّه وهي عائلة قديمة مشهورة. تلقى، منذ الشبابية، إعداده الروحي على يد أحد أبرز الآباء الروحيين في تسالونيكية في زمانه، دوروثاوس فلاتيس. وهو أحد تلامذة القديس غريغوريوس بالاماس المقرّبين. تردّد على حلقات الأتقياء من عامة المؤمنين. هؤلاء كانوا يتعاطون صلاة يسوع بإشراف القدّيس إيزيدوروس بوخيراس، البطريرك العتيد (1347 – 1350). بعد أن تلقى أوّل تعليمه الأدبي والفلسفي لدى عمّه نيلوس كاباسيلاس تابع دروسه في مدرسة الفلسفة في القسطنطينية. هناك حصّل ثقافة أدبية راقية وجعله إعجابه بالكلاسيكيات يُصنّف في الأوساط الإنسانوية دون أن يحيد عن تعليم الكنيسة. خلال إقامته في العاصمة المتملكة نبّهه الجدال الناشب بين غريغوريوس بالاماس وبرلعام في شأن إمكان تأليه الإنسان بالقوى غير المخلوقة للنعمة الإلهية، أقول نبّهه إلى الغاية الأخيرة من الحياة المسيحية، لكنّه انكب بالأكثر على القضايا الاجتماعية والسياسية في عصره. بعد موت الإمبراطور أندرونيكوس الثالث سنة 1341 وُجدت الإمبراطورية في حال من التمزق نتيجة حرب أهلية اندلعت بين مناصري يوحنا الخامس باليولوغوس ومناصري يوحنا كانتاكوزينوس. وتدهورت الأمور بسبب ثورة الغيورين في تسالونيكية على سلطة الإمبراطور والنبلاء.
نيقولاوس، الذي كان يومها في تسالونيكية، توسط في المباحثات بين المتمردين ويوحنا كانتاكوزينوس. سنة 1345 أرسل إلى بيريا سفيراً لدى ابن وممثل كانتاكوزينوس، المدعو مانويل، فحظي بوعد بتقديم شروط مؤاتية لاستسلام المتمردين. غير أن أندراوس باليولوغيوس عارض المشروع، إثر عودته، وهيج الغيورين وسكان الأحياء الفقيرة فهاجموا الحصن الذي كان الوجهاء قد لجاؤا إليه. حصلت مذابح بشعة بالكاد أفلت نيقولاوس منها واختبأ في أحد الآبار. غير أنه بقي في تسالونيكية حتى العام 1347 ولا ما يقلقه رغم المودّة التي كان يكنها لكانتاكوزينوس. وإذ أقبل على دراسة أسباب الحرب الأهلية، وضع بضع مقالات ضدّ الربا والظلم الاجتماعي.
لمّا تبوّأ كانتاكوزينوس العرش باسم يوحنا السادس استدعى نيقولاوس إلى القسطنطينية وجعله مستشاره في كل الشؤون الهامة للدولة. وبتأثير مشيريه، نيقولاوس وصديق الطفولة ديمتريوس كيدونس، أسمى الملك الرجال الذين "بلغوا ذروة الحكمة العالمية فلاسفة في العمل أيضاً إذ اختاروا حياة العفّة الحرّة من كل سيئات الزواج". وقد فكر في الاعتزال في دير Manganes، غير أن الوضع السياسي في تسالونيكية جعله يعدل عن عزمه.
خلال هذه الفترة انكبّ نيقولاوس على العمل ككاتب فيما شارك، بنشاط، في الحياة العامة. في أيلول 1347 كان في عداد من رافقوا القدّيس غريغوريوس بالاماس المنتخب حديثاً رئيس أساقفة على تسالونيكية. ولكن لما نبذ الشعب راعيه اعتزل وإيّاه في جبل آثوس حيث عاش في السكون والصلاة سنة كاملة. في العام 1349 عاد من جديد إلى تسالونيكية حيث كانت ثورة الغيورين قد خمدت وتصالح أطراف الصراع فجرى تتويج القدّيس غريغوريوس. ثم لما أدان المجمع أكندينوس وأعلن الهدوئية عقيدة رسمية للكنيسة ناصر كاباسيلاس اللاهوت البالامي وأعلن موافقته على مشروع في شأن مجمع الوحدة مع الكنيسة اللاتينية دونما تنازل عقائدي. هذا فيما وقف صديقه كيدونس في صف خصوم الهدوئية وتبنى موقف خضوع للطروحات اللاتينية.
لما اندلعت حرب أهلية جديدة بين يوحنا الخامس باليولوغوس ويوحنا كانتاكوزينوس (1353) أدّت إلى الإطاحة بالبطريرك القدّيس كاليستوس، ورد اسم كاباسيلاس بين المرشحين لخلافته، لكن جرى، أخيراً، انتخاب القديس فيلوثاوس (11 تشرين الأول) للمنصب. في السنة التالية رحّب نيقولاوس، في خطاب فخم، بتتويج متى كانتاكوزينوس إمبراطوراً شريكاً. ولم يمض على ذلك وقت طويل حتى استأثر يوحنا باليولوغوس بالعرش بفضل المرتزقة البنادقة، فاضطر يوحنا كانتاكوزينوس إلى التنازل عن العرش واقتبال الحياة الرهبانية باسم يواصاف. كذلك أُطيح بالبطريرك فيلوثاوس ونفي، فيما استُدعي القدّيس كاليستوس من جديد ليشغل الكرسي البطريركي. مذ ذاك اعتزل نيقولاوس الشؤون العامة لينكب على التأمل في السرّ المعيش للمسيح في الكنيسة. لا نعرف ما إذا كان قد بقي إلى آخر أيامه هدوئياً من العامة أو صار راهباً كما يوحي بعض فقرات أعماله الكتابية. خلال هذه الفترة الطويلة من الاعتزال، إلا إقامة له لسنتين في تسالونيكية، انتقل إلى القسطنطينية وأخذ يتردّد على أديرة منغانا وكسانتوبولوس وستوديون. وقد اقتنى شهرة رجل بلغ قمة الفضيلة. واهتمت شخصيات بارزة كالإمبراطور مانويل باليولوغوس بطلب مشورته معتبرة إياه أباً روحياً لها. لكن القديس اجتنب الخوض، من جديد، في اضطرابات العالم وآثر ملازمة الصمت ليضع مؤلفين أساسيين له: "شرح الليتورجيا المقدّسة" و"الحياة في المسيح" وكلاهما يشهد، عن حق، لقداسته ويُعتبر من مآثر الأدب المسيحي. رقد نيقولاوس بسلام في الربّ دون أن يخلّف شاهداً على أيامه الأخيرة بين العامين 1391 و1397.
في كتاب القديس نقولا كاباسيلاس عن الحياة في المسيح يبين كيف أن المؤمنين باقتبال الكيان والحركة والحياة الحق بالأسرار المقدّسة: المعمودية والميرون والأفخارستيا، والنمو الروحي بالفضائل المقدسة، أقول يبين كيف يكون المؤمنون قادرين على تحقيق كون المسيح نفسه، بالروح القدس، يأتي ليقيم وينمو فيهم حتى إلى تحقيق اتحادهم الكامل بالله. إن تجسد المسيح هو أساس كل الحياة الروحية لأنه إذ وحد ما كان منفصلاً أتاح الوصال واقتران المخلوق بغير المخلوق. هذه الحياة في المسيح تبدأ، كما يقول، هنا على الأرض، لكنها تكتمل في الملكوت الأبدي الذي صار ولوجه ميسراً لنا، منذ الآن، في الكنيسة. المسيح يسكب نفسه وينضم إلى كل واحد من أعضائه بالأسرار نظير النور النافذ إلى الغرفة عبر النوافذ، وهو بذلك يحقق السر الكبير، سر وحدته العرسية مع الإنسان مُدخلاً إلى جسده المائت الخاضع للتغيرات الحياة الخالدة الدائمة. لكن حضرة الربّ هذه لا تتفعّل إلا إذا تعاونّا معها (سينرغيا)، إلا إذا استجبنا عن إرادة حرّة لنعمة الله، وتركّز اهتمامنا على حفظ النعمة المتلقاة بصحو نفس، كسراج مُضاء، في انتظار عودة الختن. حياة المسيحي الروحية قائمة في حفظ الأعضاء والحواس التي بها اتحد المسيح والتأمل في الكرامة التي أسبغها علينا. مستحيل، في الحقيقة، أن ينجذب المرء إلى الإثم إذا ما وعى "المحبة المجنونة" التي أحبّنا المسيح بها إلى حدّ بذل النفس على الصليب ابتغاء جعلنا له هيكلاً وأعضاء خاصة. بالنسبة لمثل هذا الإنسان يصير الربّ الوحيد المشتهى، وإذ يقتني "روح المسيح" يصير له حفظ الوصايا ميسّراً. ثم بالنمو في الفضائل المقدسة يكون قد ماهى إرادته بالكامل بإرادة المخلص. حين لا يجد فرحه إلا فيما يفرح الرب وحين يحزن مما يمكن أن يحزن الرب، إذ ذاك تصير المحبة الإلهية حياتهما المشتركة وتعطيه أن يساهم خواص الطبيعة الإلهية للإله الإنسان. هذا التأليه الذي هو الهدف الأخير من حياة الإنسان يعاينه القديس نيقولا كاباسيلاس متمثلاً بالكامل في شخص والدة الإله التي، بجمال نفسها وإرادتها المخضعة بالكامل لقصد الله، اجتذبت الروح القدس الذي أولد فيها المخلص.
إذ سلك القديس نيقولا كاباسيلاس طريقاً آخرى غير الطريق التي سلك فيها القديس غريغوريوس بالاماس، أبان كإنسانوي بالتنشئة وهدوئي بالنداء الداخلي أن التأله والاتحاد بالمسيح يشكل هدف الحياة الروحية لكل مسيحي لا فقط للرهبان المعتزلين العالم وواجباته. وهو إذ يأتي بالعناصر الإيجابية للثقافة الإنسانوية في زمانه إلى التجلي ويصير معلم "الهدوئية الأسرارية"، يشعل منذ إدخال ذكراه في الرزنامة الكنسية (1982)، الموقع الذي يستحقه في جوق الآباء القدّيسين في الكنيسة الأرثوذكسية.
طروبارية القديس نقولا كاباسيلاس باللحن الثامن
لِلبَرِيَّةِ غَيْرِ الـمُثْمِرَةِ بِمَجارِي دُمُوعِكَ أَمْرَعْتَ. وبِالتَّنَهُّداتِ التي مِنَ الأَعْماق أَثْمَرْتَ بِأَتْعابِكَ إِلى مِئَةِ ضِعْفٍ. فَصِرْتَ كَوكَباً لِلمَسْكونَةِ مُتَلأْلِئاً بِالعَجائِب. يا أَبانا البارَّ نقولا فَتَشَفَّعْ إِلى المَسِيحِ الإِلَهِ أَنْ يُخَلِّصَ نُفُوسَنا.
2022-04-29 12:02:00
2021-01-16 16:01:46
2020-12-01 11:42:48
2020-11-13 09:59:05
2020-10-13 10:06:01
2020-10-12 01:45:56
2020-10-12 01:32:41
2020-10-12 01:17:42
2020-10-09 14:11:48
2020-10-06 12:42:51
2020-10-06 11:49:07
2020-10-05 14:15:42
2020-08-11 16:45:56
2020-08-11 15:42:23
2020-08-11 15:26:28