Loading...
الرجاء الانتظار قليلاً...
blog-img-1

تاريخ النشر: 03/09/2020, 11:47

القديس ألكسندروس، رئيس أساقفة الإسكندرية (القرن4م)

تحتفل به الكنيسة في: 29 أيار

وُلد حوالي العام 250م. كان أحد الكهنة البارزين في زمن أسقفية القدّيس بطرس الإسكندري المعيَّد له في 24 تشرين الثاني. امتاز بالورع والغيرة المقدّسة والوداعة واللطافة. في تقواه كان الشعب يدعوه "القدّيس"، وفي حبّه للفقراء والمساكين لقّبوه بـ "أبي الفقراء". قالوا كان لا يقرأ الكتاب المقدّس جالساً قطّ، بل كان يقف والضوء أمامه. فلما مات أخيلوس المقام على الكرسي الإسكندري بعدما شغله خمسة أشهر، تمّ اختيار ألكسندروس ليحلّ محلّه في العام 313م.

اهتمّ قدّيس الله بلملمة الكنيسة وإعادة تنظيم شؤونها بعد ما لحق بها من تبعثر من جرّاء حملات الاضطهاد على المسيحيّين. عُني بإعداد الكهنة ورفّع إلى درجتي الكهنوت والأسقفية قوماً تقدّسوا بالنسك والعزلة. بنى الكنيسة الكبرى للقدّيس ثيوناس في الإسكندرية.

كان عليه، قبل كل شيء، أن يتصدى لأنصار ملاتيوس المنشقّ، أسقف ليكوبوليس (أسيوط) - هذا سام أساقفة على هواه وجعلهم على الأسقفيات الشاغرة أثناء الاضطهاد. ولكي يبرِّر انشقاقه تبنّى مواقف متطرّفة من المرتدّين (Lapsi) الذين جحدوا الإيمان بالمسيح تحت الضغط ثم رغبوا في العودة إليه فيما بعد – هؤلاء رفض ملاتيوس مصالحتهم. يذكر أن ملاتيوس نفسه كان قد أنكر الإيمان في زمن ذيوكلسيانوس بالرغم من النصيحة التي قدّمها له أربعة أساقفة في السجن. على هذا كوّن حزباً ضمّ ثلاثين أسقفاً أعلنوا استقلالهم عن رئيس الأساقفة الشرعي وأدخلوا، على ما قيل، بعض الأنظمة اليهودية في عبادتهم. وقد سبق للقدّيس بطرس أن عقد مجمعاً حكم فيه بتجريد ملاتيوس لكن هذا الأخير لم يعبأ بذلك.

أما آريوس، الذي كانت للقدّيس ألكسندروس حكاية معه، فقد كان، في بادئ الأمر، من حزب ملاتيوس، وقيل إن ملاتيوس وأتباعه سعوا بكل طاقتهم للحؤول دون استلام ألكسندروس سدّة رئاسة الأسقفية ورغبوا في آريوس بديلاً منه. فلما تسقّف ألكسندروس آثر آريوس التواري والتظاهر بمظهر اللياقة حيال رئيس الأساقفة لكنه ما لبث، ابتداء من العام 318، أن أخذ يجاهر بمناقضته لألكسندروس. أخذ يعلّم، باعتماد الحجج الجدلية، أن كلمة الله لم يكن منذ الأزل وأنه مجرّد خليقة من خلائق الله. لذا لا يسعنا، نتيجة ذلك، بحسب زعمه، أن نتكلّم على وحدة الأقانيم الإلهية الثلاثة: أُخطر ألكسندروس بمناورات آريوس ودسائسه فتريّث ولم يتّخذ، في حقّه، أية إجراءات محاولاً استرداده إلى الإيمان الأرثوذكسي بالمحادثات والنصائح الأبوية. لكن آريوس لم يرعو وذهبت جهود ألكسندروس هباء، فأخذت الهرطقة تنتشر في كل الأصقاع المصرية التي شهدت، يومذاك، انقساماً بين الفريق الأرثوذكسي من ناحية وفريقي آريوس، من ناحية، وهلاتيوس من ناحية أخرى. يذكر أن آريوس اعتمد على الفصاحة والخداع في تمرير أفكاره، كما وضع ترانيم لها بنغمات عذبة تجذب بسطاء الناس وتظاهر بروح النسك والعبادة. وقيل اجتذب العديد من الراهبات والعذارى والنساء استخدمهن في نشر بدعته. إذ ذاك قرّر ألكسندروس وضع حدّ للنزف الحاصل وقطع آريوس. فبعد مجمع محلّي التأم في العام 319 م ودُعي فيه آريوس رسمياً إلى ترك بدعته، لم يشأ أن يسمع، فعقد ألكسندروس مجمعاً آخر في الإسكندرية ضمّ مائة أسقف من مصر وليبيا وحرم آريوس وبدعته. استجار آريوس بأفسافيوس النيقوميذي وأظهر ذاته كمضطهَد من أجل الحقّ. ولمّا استمرّ معانداً يعظ ويبثّ سمومه عمد ألكسندروس إلى طرده.

لم يشأ آريوس أن يخضع ولا أن يسلّم، لذا سعى إلى استمالة الأساقفة في أبرشيات خارج مصر. اتّسعت دائرة الصراع فأخذ ألكسندروس يكتب إلى ألكسندروس القسطنطيني وسواه من أساقفة المعمورة شارحاً بدعة آريوس ومعتقداته الخاطئة.

فما إن حلّ العام 322 حتى صار لآريوس أتباع هنا وثمّة، بين الأساقفة، فعقدوا مجمعَين الأول في بيثينية سنة 322 م والثاني في فلسطين في السنة 323 م. قرّر هذان المجمعان أن الحكم الصادر في حقّ آريوس، من قبل بطريرك الإسكندرية، باطل وطالباً بعودة آريوس إلى الإسكندرية.

بإزاء ما حصل صمد ألكسندروس وقاوم. وقد حرّر رسالة إلى أفسافيوس النيقوميذي محتجّاً على تدخّله. وقد ضمّن رسالته بسطاً للهرطقة الجديدة مبيِّناً كيف أنها تبطل كل مشروع الخلاص. ففيما اعتمد آريوس، في مقاربته لأسرار الإيمان، على القياس المنطقي والفلسفة، اعتمد ألكسندروس على تراث الكنيسة فأعلن أنه بسبب كون الكلمة ابن الله بالجوهر، تسنّى لنا، نحن الآدميين، أن نصير أولاداً لله بالتبنّي وننعم بالحياة الأبدية. كما صرّح ألكسندروس أن مستعد أن يدافع عن هذه الحقيقة المقدّسة حتى الموت.

في تلك الأثناء استفاد آريوس من الخصومات المتزايدة بين قسطنطين وليسينيوس فعاد إلى مصر خلسة وشرع، من جديد، في بثّ أفكاره. فلما تمكّن قسطنطين من الاستئثار بالسلطة، وكانت مشكلة آريوس قد اتّخذت بعداً مسكونياً، أي في مستوى الإمبراطورية برمّتها، كتب بإيحاء من أفسافيوس النيقوميذي الذي ربطته بأخت قسطنطين، كونسطانسيا، علاقات مودّة، أقول كتب إلى ألكسندروس وآريوس معاً متّهماً إيّاهما بالتسبّب باضطراب في طول البلاد وعرضها للاشيء. ثم أوفد القدّيس هوسيوس، أسقف قرطبة، وهو أحد المعترفين، إلى مصر للاستطلاع. فلما اطلّع هوسيوس على الأمر، عن كثب، أدرك خطورة الهرطقة المعروضة. وعلى رأي ألكسندروس، نصح هوسيوس قسطنطين أنه من غير مجمع مسكوني لا يمكن حلّ المسألة ووضع حدّ لهرطقة آريوس.

في السنة التالية، 325 م، التأم، بدعوة من القدّيس الإمبراطور قسطنطين، المجمع المسكوني الأول في نيقية لمواجهة الأزمة. حضر ألكسندروس رغم تقدّمه في السنّ وعلله. وقد لعب هو وشمّاسه القدّيس أثناسيوس، دوراً تقريرياً. وبالنتيجة تمّت إدانة آريوس وأتباعه بشكل واضح صريح وشهد المجمع في ابن الله أنه "مساوٍ للآب في الجوهر". كذلك عالج المجمع الانشقاق الذي أحدثه ملاتيوس واعترف برئيس أساقفة الإسكندرية على كل مصر وليبيا والمدن الخمس. كذلك لعب ألكسندروس دوراً إضافياً في تحديد تاريخ عيد الفصح. وقد قرّر المجمع إسناد مهمّة تحرير رسالة سنوية إلى كل الكنائس بشأن الفصح إلى رئيس أساقفة الإسكندرية يحدّد فيها تاريخ التعييد المشترك للفصح. هذه العادة بقيت في الممارسة حتى المجمع الخلقيدوني (451 م) حين وقع معظم مصر في يد أصحاب الطبيعة الواحدة.

انتهى المجمع وعاد ألكسندروس إلى الإسكندرية مظفّراً حيث سعى إلى ترميم ما أحدثته الهرطقة الآريوسية وما تسبّب به الانشقاق الملاتي. كل المحاولات لردّ الاعتبار آريوس قاومها ألكسندروس ولم يذعن لها.

رقد في الرب في 26 شباط سنة 326م (أو 327) واختير القدّيس أثناسيوس الكبير خلفاً له.

 

طروبارية القدّيس ألكسندروس، رئيس أساقفة الإسكندرية باللحن الرابع

لَقَدْ أَظْهَرَتْكَ أَفْعالُ الحَقِّ لِرَعِيَّتِك قانوناً لِلإيمان، وصُورَةً لِلوَداعة ومُعَلِّماً لِلإِمْساك، أَيُّها الأَبُ رَئِيْسُ الكَهَنَةِ ألكسندروس، فَلِذَلِكَ أَحْرَزْتَ بِالتَّواضُعِ الرِّفْعَة وبِالـمَسْكَنَةِ الغِنى، فَتَشَفَّعْ إِلى الـمَسيحِ الإلَه أَنْ يُخَلِّصَ نُفُوسَنا.