تاريخ النشر: 03/09/2020, 11:47
ولد في بلدة اسمها فاسيلبيف قريبة من كييف من أبوين مسيحيين. كاتب سيرته، نسطر، ذكر أنه تسمى ثيودوسي وقت معموديته لأن الكاهن المعمد سبق فعاين أن هذا الصبي مزمع أن يكرس نفسه لله منذ الشبابية. انتقل ذووه إلى مدينة كورسك وهو حدث. كان يذهب إلى الكنيسة كل يوم ويصغي إلى قراءة الكتاب المقدس بانتباه شديد. كان يمج ألعاب الأولاد ويحب أن يلبس الثياب المرقعة مؤثراً أن يكون كأحد الفقراء، الأمر الذي كان يزعج والديه لسمعة العائلة بين الناس. وقد رجا والديه أن يسمحا له بدراسة الكتب المقدسة على أحد المعلمين فسمحا له بذلك. ولم يطل به الوقت حتى بات عارفاً بالكلمة الإلهية. وقد أخذ الآخرين العجب من حكمته وسرعة تعلمه.
لما كان في سن الثالثة عشرة فقد والده وازداد غيرة على غيرة في الأتعاب الإلهية. كان يخرج مع خدامه إلى الحقول ويعمل معهم كواحد منهم بتواضع كامل. هذا آثار حفيظة أمه فكانت تنهره أن يتجلبب بجلباب لائق فلم يشأ أن يسمع. لذلك، على ما قال مترجمه، كانت أمه تسخط عليه وتضربه، لاسيما وأنها كانت قوية البنية كالرجال. ورغم النهر والضرب لم يتزحزح روح ثيودوسي عن اهتمامها بإرضاء الله.
ثم إن قديسنا اشتاق لزيارة الأرض المقدسة في فلسطين. ذات ليلة خرج في إثر مجموعة من الحجاج متوجهة إلى هناك. لكن أمه ترصدته ولما أدركته قبضت عليه من شعره وجررته ورفسته وقيدته كفاعل سوء وعادت به إلى البيت حيث أشبعته ضرباً وسجنته في إحدى الغرف وقيدته بالسلاسل ومنعت عنه الطعام يومين. بعد ذلك جاءته بطعام وأطلقت سراحه لكنها تركت الحديد في رجليه لكي لا يتمكن من الهرب. وبعدما هدأت ثورته رجته ألا يحاول الهرب من جديد لأنها لا تحتمل العيش من دونه. فلما وعد بألا يغادرها ثانية فكت قيده وتركته يذهب حيث يشاء. لكنه عاد إلى أشغاله السابقة وإلى تردده على الكنيسة.
في كنيسته، يومذاك، كانت القرابين، القداس الإلهي، غير موفورة، فأخذ ثيودوسي على نفسه أن يقوم بصنعها بانتظام ويبيعها. وكان يعطي ما يبقى منها للفقراء. هذا استمر سنتين. وكان أقرانه يسخرون منه للسخام الذي كان يسود وجهه والطحين الذي كان يبيض ثيابه. هذا على ثوب فقير مرقع مبقع أغاظ أمه من جديد فحاولت رده عن هذه المهنة الوضيعة فلما يشأ فنالت منه من جديد ولم تنيحه إلا بعدما تحرك خوف الله في قلبها لما قال لها إن الرب سمى الخبز جسده أفلا يكون الأمر مدعاة للفخر والفرح الكبير أن يُحسب هو مستأهلاً أن يساهم في إعداد جسد المسيح؟!
ثم أن القديس الصغير ذاق بعض السلام من جهة أمه إلى أن اكتشفت بعد سنة من ذلك آثار دماء على قميص ابنها فاستطلعت الأمر واكتشفت أن ابنها يلبس السلاسل الحديدية تحت قميصه وأن هذه السلاسل قد انغرزت في لحمه، فعادت تسيء معاملته من جديد. كل ذلك تحمله رجل الله الصغير بفرح لأنه كان من أجل الله.
أخيراً لما بلغ الثالثة والعشرين (1023م) هرب سيراً على الأقدام إلى كييف مسوقاً بنعمة الله بعدما لفت قول الرب انتباهه: من لا يترك أباه وأمه ويأتي ورائي فلا يستحقني.
جاء ثيودوسي إلى مغارة كان يعيش فيها القديس أنطونيوس الكييفي. لما رآه أنطونيوس عرف أنه إناء مختار لله. طلب ثيودوسي أن يلتحق به فصده تدبيراً فأصر فباركه وضمه إليه. ثم أن أحد الآباء هناك، القديس نيقون، ألبس ثيودوسي الثوب الرهباني بناء لطلب أنطونيوس.
وهكذا باشر قديسنا جهاداته النسكية الكبرى في إحدى مغاور كييف يصوم بصرامة كبيرة ويسهر في الصلاة الليل بطوله. بعد أربع سنوات من الاستقصاء اكتشفت أمه مكانه فجاءت إليه وحاولت أن تعيده إلى البيت واعدة إياه أن بإمكانه أن يعيش هناك كما يرغب شرط أن يبقى تحت نظرها، ومتى رقدت يأتي إلى المغاور إذا رغب. فكان جواب ثيودوسي أنها إذا كانت ترغب في معاينته بعد فعليها أن تترك كل شيء وتلتحق بدير قريب. قاومت، أول الأمر، ثم بصلاة ثيودوسي حركت نعمة الله قلبها فرضخت وانضمت إلى دير على اسم القديس نيقولاوس قريب. هناك جاهدت وتقدست إلى أن رقدت بسلام في الرب.
بعد رقاد القديس نيقون صار ثيودوسي كاهن الشركة التي كانت تعد اثني عشر راهباً يومذاك. فاق ثيودوسي الجميع لا بالنسك والأتعاب وحسب بل بالوداعة والمحبة الأخوية أيضاً. كثيراً ما كان يمضي الليل في الصلاة ويقرأ المزامير في الهواء الطلق غير مبال بما يلحقه من لسعات البعوض. وما كان يأخذ قسطاً من الراحة إلا جالساً. مرات أخرى، فيما كان الرهبان الآخرون نائمين كان هو يطحن الحب عنهم، ثم عند الفجر كان يوجد أول القادمين إلى الكنيسة وآخر الخارجين منها.
لما استلم ثيودوسي رئاسة اللافرا، في عهدة الأب أنطونيوس، أخذ المكان في الاتساع فصار لازماً إقامة أبنية جديدة وكنيسة. وقد يسر الله بهمة إيزياسلاف، أمير كييف. جرى تدشين الدير الجديد خلال العام 1062م.
نمط الحياة المرنة التي اعتاد النساك اتباعها في السابق لم تعد موافقة للجماعة الجديدة التي باتت أدنى إلى الشركة وبات لزاماً وضع قانون حياة جديد لها. أوفد ثيودوسي أحد رهبانه ليستعلم بشأن الأديرة البيزنطية وأن يعود إلى الروسيا بنسخة من تيبيكون دير ستوديون في القسطنطينية. حافظ دير مغاور كييف على تسمية اللافرا التي تشير إلى النساك الذين يعيشون متجاورين ويكون بينهم رباط ما. هذا صار ليكون بمثابة ذكرى تشير إلى المجاهدين الأوائل الذين عاشوا وتقدسوا في هذا الموضع. على أن لافرا الكهوف هذه أضحت ديراً شركوياً بكل معنى الكلمة، وريثاً للرهبانية البيزنطية، ونموذجاً لكل الأديرة التي عرفتها البلاد الروسية خلال القرون اللاحقة إلى اليوم. النظام والتناغم السائدان في اللافرا جعلت منه صورة لملكوت السموات ونموذج حياة لكل من يصبو إلى حياة الفضيلة. الأمير إيزياسلاف كان يكن لثيودوسي احتراماً كبيراً. ورد بشأنه أنه جاء مرة إلى اللافرا فوجد الأبواب مغلقة لأن الوقت كان متأخراً، فأبى البواب أن يفتح له بناء لتوجيهات الرئيس حتى ولو كان القادم أميراً. على هذا بات الأمير ليلته خارج أبواب الدير. وبدل أن يثير الأمر غيظ الأمير جعله يُكبر ثيودوسي ويكبر الدير بالأكثر.
خلال موسم الصوم الكبير اعتاد القديس أن يعتزل في المغارة التي أقام فيها في مطلع حياته النسكية. ولم يكن ليغادر المغارة إلا الجمعة قبل الأسبوع العظيم لإرشاد الإخوة. في هذه المغارة كانت الأبالسة تقاوم القديس بضراوة، وبنعمة الله والصلاة والصوم كان ثيودوسي يقوى عليها جميعاً. إذ ذاك كان يخرج من هناك ليحتفل بقيامة الرب يسوع.
كان يعلم، بخاصة، بالمثال الطيب: يعمل، أحياناً كثيرة، بيده سواء في الفرن أو المطبخ ويتمم بصمت الأعمال التي كان بعض الإخوة يمتنع عن إتمامها. متى علم أن وجبة الطعام أعدت دون بركة، أو إذا عرف أن ثمة خصاماً حل بين الإخوة أثناء إعداد الطعام، كان يأمر بإلقاء الطعام في النار. وإذا كان يجد، خلال تفقده لقلالي الرهبان، أغراضاً لا فائدة منها، مالاً أو طعاماً أو ما شابه، فإنه كان يأمر بإحراقها للحال مذكراً إن الراهب الأصيل هو من لا يقتني شيئاً خاصاً به.
إلى ذلك كانت لثيودوسي محبة فائقة للفقراء وقد بنى مضافة بقرب الدير كان يستقبل فيها المحتاجين. ثم إنه كل يوم سبت كان يرسل شحنة من الخبز إلى الموقوفين في سجون كييف. وإذ كان قد اقتنى دالة لدى الله فإن الرب الإله منّ عليه بموهبة طرد الأرواح الشريرة وشفاء المرضى والنبوءة.
استمرت الشكرة الرهبانية في اللافرا تنمو واستمرت الحاجة إلى توسيع المكان. وإن أربعة بنائين قادمين من القسطنطينية أتوا قائلين إن والدة الإله أرسلتهم ليبنوا الكنيسة التي أرتهم تصميماً لها. وكانوا يحملون معهم رفات قديسين شهداء لتوضع في أساسات البناء. وكان معهم أيضاً إيقونة عجائبية لوالدة الإله. وبعد تحديد مكان البناء ومقاسه شرعوا في البناء بمؤازرة أمير كييف زفياتيسلاف.
رقد القديس أنطونيوس سنة 1073 وعرف القديس ثيودوسي بقرب مغادرته سلفاً فجمع الإخوة وسألهم أن يختاروا خلفاً له فكان كذلك. وبعدما ضمهم أبوياً وباركهم رقد بسلام في الرب في العام 1074م. مذ ذاك أضحى ضريحه منبعاً لعجائب جمة. أما كنيسة الدير فجرى تدشينها في العام 1089. وقد ساهم أنطونيوس وثيودوسي في إكمالها لما ظهرا لرساميين في القسطنطينية وطلبا منهم أن يهتموا بتزيين الكنيسة في اللافرا في كييف. وهذا ما تم بنعمة الله. تدشين الكنيسة جرى في عهد السيد يوحنا، متروبوليت كييف. صلوات القديس ثيودوسي تنفعنا أجمعين.
طروبارية القديس ثيودوسي مؤسس حياة الشركة في الروسيا باللحن الثامن
لِلبَرِيَّةِ غَيْرِ الـمُثْمِرَةِ بِمَجارِي دُمُوعِكَ أَمْرَعْتَ. وبِالتَّنَهُّداتِ التي مِنَ الأَعْماق أَثْمَرْتَ بِأَتْعابِكَ إِلى مِئَةِ ضِعْفٍ. فَصِرْتَ كَوكَباً لِلمَسْكونَةِ مُتَلأْلِئاً بِالعَجائِب. يا أَبانا البارَّ ثيودوسي فَتَشَفَّعْ إِلى المَسِيحِ الإِلَهِ أَنْ يُخَلِّصَ نُفُوسَنا.
2022-04-29 12:02:00
2021-01-16 16:01:46
2020-12-01 11:42:48
2020-11-13 09:59:05
2020-10-13 10:06:01
2020-10-12 01:45:56
2020-10-12 01:32:41
2020-10-12 01:17:42
2020-10-09 14:11:48
2020-10-06 12:42:51
2020-10-06 11:49:07
2020-10-05 14:15:42
2020-08-11 16:45:56
2020-08-11 15:42:23
2020-08-11 15:26:28